26 - 06 - 2024

تباريح | الهزل والجد في محاكمة مبارك

تباريح | الهزل والجد في محاكمة مبارك

(أرشيف المشهد)

2-6-2012 | 17:57

لأن كل شيء في الحياة نسبي، فليست هناك قيمة مطلقة.. حتى العدل والظلم يخضعان لنفس القاعدة، وما يراه أهالي الشهداء تفريطًا في دماء أبنائهم يعد عدلًا من وجهة نظر المستفيدين من النظام السابق، وربما يتعاطف أصحاب المشاعر "الجياشة" مع مبارك "عزيز القوم" الذي انهمرت دموعه حين أجبر على دخول مستشفى سجن طرة تنفيذًا لحكم القضاء.

حين تكون أمام أشياء غير مكتملة لا تسأل عن قيم مطلقة، فالثورة لم تكتمل، وجحافل نظام مبارك ما تزال تملأ علينا أرجاء مصر متعاطفة معه حينا، وساخرة من دماء الشهداء حينا آخر، ومتلفة للأدلة التي كان يمكن أن تمثل إدانة حقيقية لرأس النظام وممثلي يده الباطشة، وليست إدانة سياسية تحمل في داخلها أسباب نقضها. والمحكمة لا ذنب لها، إذ تتعامل مع وقائع مثبتة وأدلة قاطعة يجب أن يطمئن لها "ضمير القاضي"، والذي يحاكم مبارك في الواقع لم يكونوا إلا رجاله الذين أتى بهم وأصبح صاحب فضل عليهم، ومن ثم كان طبيعيًا ألا يجتهدوا في وضع يد العدالة على أدلة تدينه.

إذا كنا إزاء ثورة، هل يعقل أن يظل زكريا عزمي في قصر الرئاسة حتى نهايات شهر أبريل 2012؟ ماذا كان يفعل الرجل وحاشيته؟ وأين ذهبت سجلات رئاسة الجمهورية التي كان يمكن أن تثبت على وجه اليقين ما إذا كان مبارك أعطى أوامر بالقتل من عدمه، بدلًا من استجلاب شهود لم يكن يتوقع منهم أن يقولوا الحقيقة، ببساطة لأن هذه الحقيقة كان يمكن أن تجرهم أنفسهم إلى ساحات العدالة.

حتى أدلة غرفة عمليات الداخلية تم إتلافها، ولهذا حكمت المحاكم بالبراءة في 14 قضية لقتل المتظاهرين، وكأن القاتل شبح فعل فعلته واختفى.

وفضلًا عن كل ذلك يحتشد بقايا النظام القديم متأهبين للعودة إلى قصر الرئاسة في مشهد يتفوق على مشاهد الدراما الإغريقية، وإمعانًا في تجهيز المسرح يصدر حكم المؤبد لمبارك والعادلي ويتم تبرئة البقية كمرحلة أولى، وفي هذا أكبر خدمة للدكتور محمد مرسي مرشح الإخوان للرئاسة، فالسحر سينقلب على الساحر وسيذهب الناس بقضهم وقضيضهم إلى الصناديق للتصويت له، بعد أن يئسوا من عدالة نصف النظام ضد نصفه الآخر.

الثائر الحق هو من يكمل طريقًا بدأها، لا يعترف بأنصاف الحلول، فالثورة تشبه الحرب لابد فيها من مقتول وقاتل، أما الرومانسية التي تعاملت بها 25 يناير في البداية وجرَّت كل المرارات، فلا تصلح إلا لجلوس عاشقين على كورنيش النيل.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان